خواطر قلقة!


إذا هي قصتي فقط لأنني أنا. لكن كوني أنا لا يعني شيئًا للقصة.


إنها قصة.. قصتي أنا بالتحديد. لا أعرف من أين ابدأ، وإلى أين سيمضي بي السرد. لا يهم. المهم أنها قصتي.
كعادة شخصيات القصة، أنا مجرد أداة تُروَى بها الحكاية. قد يبدو لقارئها للوهلة الأولى أنني المتحكم؛ كوني البطل والراوي. لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا من ذلك.

أولا: أنا لست بطلًا، ولا أطلب البطولة، ولا حتى بمعناها الأدبي كواجهة عمل روائي أقع منه في المركز. 

أوقات كثيرة أشعر أن إدراكي لذاتي هو مصدر القلق والمشاكل. يا تُرى كيف كان سيصير حالي إن خُلِقتُ ورقة على شجرة وارفة؟ أو حصاة في بطن نهر يضج بالحياة؟ كيف كان لهذا التهميش أن يجعل من قصتي أكثر جمالًا؟ فأحيانًا الجمال هو ألا تدرك أنك كائن. والجمال هو ألا تضطر أن تنظر في مرآتك يوميًا. والجمال هو العبور السريع والصامت.. بقلب صامت.. بعقل صامت... صمتٌ يتصف بالكمال..


ثانيا: أنا لستُ كتلك الشخصيات المتمردة التي تفسد على الرواة حكاياهم. كل ما بي من تمرد قد اُستنفِد على وجودي ذاته. تمردتُ على وجودي حتى عاقبني عقلي، وعاقبني قلبي، ومن قبلهما عاقبتني القصة نفسها! 

روّعتني القصة حين شعرت بأنفاسها الباردة تخدش مؤخرة عنقي، وباهتزازتها المؤلمة بين ثنايا صدري. أدركتُ للمرة الأولى أنها كائن حي قادر على خلق ذاته بدون الحاجة إلي. هي المتحكم الأول في القلم الذي تٌكتَبُ به الفصول تلو الفصول، لا أستطيع لها مجاراة، ولا أستطيع أن أهرب كذلك. وأنا بين فكّي صفحاتها الداكنة هذه قلقٌ مضطرب. إنها اللحظة التي تستيقظ فيها الحكاية، فتدرك أن الزمام ليس بيدك، بل أن الزمام الذي تعلقتَ به سنينًا وهمٌ من أساسه.

إذا هي قصتي فقط لأنني أنا. لكن كوني أنا لا يعني شيئًا للقصة.
سوف تستمر الحكاية ويستمر السرد وتقع الأحداث وتُبنى العوالم وتُربط العقدة وتُفك حلقاتُها ليستمتع مشاهد ما، تحركه يدٌ خفية هو الآخر، وإن لم يدرك ذلك بعد، وأنا بين ذلك كله ألهثُ لمجرد أنني البطل!
لم أقترف ذنبًا لأصبح بطلا لقصتي.. لأصبح بطلا من الأساس!
لكنها قصتي.. قصة يوميات قلقة سأحياها ما دمت جزءًا من لعبة السرد التي تتغذى على الأبطال.    



 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وغادرت الغزلان!

أليست كلها ثرثرات؟

حارس سطح العالم (مراجعة)