المشاركات

عرض المشاركات من 2021

حارس سطح العالم (مراجعة)

صورة
  "حارس سطح العالم"  بثينة العيسى.   إن الغريب -والمبهر- في تلك الرواية، أنك لن تستطع أن تخوض غمارها، أو تستمتع بها، دون تأويل النص. وكأن الكاتبة أرادتكَ شريكًا في الجريمة منذ السطر الأول؛ تستغرق في الرمزية والاستعارات، تبحث عما وراء العبارات والجمل، وبدون أن تدري ستتورط حتى أذنيك في خلق المعنى، وبالتالي لستَ بريئًا مما تستنبط؛ فأنت تلقن النص دلالاتِكَ كما يلقنك دلالاتِه تمامًا. اللغة هي موسيقى الحكايا، وهنا كانت متناغمة، قاسية أحيانًا وأخرى ناعمة، متماهية مع النص حد الاختفاء، وهو الشيء الصعب. عاونني هذا في أن أتماهى بدوري مع القصة: فلقد رقصتُ وبكيتُ على أنغام الرواية؛ شعرتُ أني عارٍ أرقصُ مع زوربا، تخبط قدماي الأرض بشدة، ومع ذلك لا يُسمَعُ إلا صوت الموسيقى. ألس وبينوكيو، صديقا الطفولة، نُفخِتْ فيهما الحياةُ فبُعِثا بين دفتي الكتاب. و عينا الأخ الكبير حاصرتني من كل اتجاه، حتى أمسيت مقتنعًا أني دمية. واختنقت بدخان عيد التطهير مغصوصًا وغاضبًا على من يحرق الكتب والماضي معها. وأنا بين كل هذا وذاك مستمتعٌ ومستغرقٌ في التأويل، بتهور سرطانات المعارضة وحذر حارس المكتبة. لقد قاربت...

بلا عنوان

صورة
تثور في رأسي فورة من الكلمات التائهة: الاشتياق. الندم. الخيبة. الحب. الصداقة. الدفء. التصافي. الأنانية. التضحية. الخوف. وغيرهم الكثير. كم تُعجِز اللغة أحيانًا؟! تتمرد، تصرخ برفض صامت. ترد طرفها عن أفكارك، تعيدها خائبة إلى عقلك. أتخيل اللغة أحيانًا كطفل صغير، يقف منتصبًا، يعقد ذراعيه، يزم شفتيه ويهز رأسه أن لا!  دع قلبك المنتفخ ينفجر بالكلمات الشاردة، كل كلمة تبحث عن أخرى، تسبقها أو تتبعها لتخلق معها معنًا ما، أي معنى..  اللغة ليست الكلمات؛ اللغة هي الروح التي تُنفَخ في الكلمات فتخلق منها شيئا حيًا، كائنًا كاملًا، ذا وجود مستقل، حتى خارج مُتحدِثها أو كاتِبها. الكلمات بلا لغة كالموسيقى بلا تناغم. هكذا أجد كلماتي اليوم: عصيةً، نشاذًا، دون رابط يربطها.  تثور في رأسي فورة من الكلمات التائهة: الاشتياق. الندم. الخيبة. الحب. الصداقة. الدفء. التصافي. الأنانية. التضحية. الخوف. وغيرهم الكثير. تترك لغتي كل كلماتي فريسة لتشردها، بلا مأوى.. بلا مكان تسكن إليه في معنى واضح وأخير. تستمر في التخبط بين أذني، تبحث عن مخرج، عن حياة تحركها. لكن ماذا يمكن أن أفعل -أو تفعل هي- أمام هذا الطفل ال...

أليست كلها ثرثرات؟

صورة
  تقوم ثائرة جيوبي الأنفية على الدوام في هذا الوقت من العام، تبدّل الفصول. لقد اعتدتُ الأمر؛ فهناك عشرات المهيجات التي تثيرها طوال الوقت: الروائح النفاذة، الهواء البارد، الاستحمام بماء دافيء، السهر ليلتين متتاليتين، وغيرهم الكثير. حتى أنني اعتدتُ نزيف أنفي بين الحين والآخر. صرت أتعامل معه بمهارة، أداويه أحيانا بدون التحرك من مكاني، استخدم عدة مناديل حتى يتوقف تمامًا، هكذا ببساطة، استمر فيما أفعل بدون التفاتة اكتراث واحدة. شيء بخصوص التكرار يجعل الأمور أكثر احتمالًا. في البداية يتملكك الذعر، الاحتمالات كثيرة ولديها القدرة على إتلاف الهدوء، والتساؤلات تحفر طريقها إلى عقلك. لماذا حدث هذا؟ وكيف؟ وماذا يعني؟ وإلى متى سيستمر؟  من المحتمل أني أبالغ قليلًا، لكنّي سأسمحُ لنفسي بذلك فقد قررت التهاون معها اليوم. ربما الحساسية الموسمية ليست المثال الأفضل لما يدور بعقلي، ولكن ماذا يدور بعقلي يتطلب تمثيلًا؟ أظن ألا معنى غائر وراء ما قولته. أنا فقط أثرثر.. أثرثر لرغبتي الهروب من صوت ما يطاردني، لا أستطيع أن أضع يدي على ماهيته تحديدًا، لكن مازالت أصداء خطاه تتردد في أذني، وغالبًا سأستمرُ في ه...

سحر كلمة ولكن!!

صورة
  الخوفُ لا ينتهي، ولكن...  للاستدراك قوة سحرية. تقلبُ المعاني، تخلقُ الجمل من جديد، تجذبها من بخل الاختزال إلى جود الحقيقة الجلية. لا ينفي الاستدراك ما سبقه، وهنا يكمن السحر؛ فالحقيقة الناقصة تُشعِرك بالعجز حين لا تدرك نقصانها. يعتريك الإجهاد ويداك تحاولان أن تقبضا على ظل. يصيبك الإحباط وأنت تطارد الأشباح، تظن أن العيب فيك. فالجهل أفضل من حقيقة ناقصة.  الاستدراك هو محاولة اللغة لإخبارك أن اصبر، هنالك المزيد. تريث حتى ترى الوجه الآخر من العملة، قبل أن تطارد سرابها أو تهرب منه. الاستدراك هو الحد الفاصل بين الهلوسة والحضور، الحقائق وأشباهها. مقتنعٌ تمامًا أن الجمل مبتورة الاستدراك تسوِّر تخوم الجنون.. إياك أن تقف بعد كلمة ولكن!  كانت الأيام القليلة الماضية دوامات من المشاعر المتضاربة. اختبرت قلقًا مُفزِعًا، وهدوءً كنت قد نسيت أنه ممكن. اكتنفني حزنًا خالجه البكاء -وأنا عادة لا تُكرِمني به عيناي- وضحكت من قلبي للمرة الأولى منذ ما يقارب الشهرين. تكملةُ فترة عسيرة ممتدة منذ شهور. موقن أنه لولا أصدقائي ومن حولي ممن ساندوني لكنت مازلت أقف في مربع الصفر مرتجفًا كاليوم الأول....

ما بعد الشيخ جرّاح: إعادة نظر في تقديم القضية الفلسطينية إلى العالم

صورة
لن يكون هذا المقال تغطية لما يحدث من انتهاكات وحشية، في حي الشيخ جراح وغزة، لآلاف من الفلسطينيين الأبرياء العزّل. لكنه يتخذ من هذه الأحداث منطلقًا لنظرة جديدة واعية وتحليلية تجاه القضية الفلسطينية ككل، وما ظهر على السطح من مشاكل في عرضها وتناولها.  بداية وبالنظر إلى حراك المقاومة الفلسطينية فإنه يتكون في الأساس من ثلاث محاور رئيسية مهمة وهي:  1- المقاومة العسكرية.  2- المقاومة السياسية.  3- المقاومة الثقافية والفكرية.  وللأسف يبدو أن أشكال -أو مكونات- المقاومة الثلاث في حالة فشل متوازٍ متطرد. وأنا في هذا المقال سوف أحاول أن أختصَّ الذراع الثقافي للمقاومة، دونا عن غيره، بالتحليل والنقد. والسؤال الأول الذي يطرح نفسه: لماذا تقديم هذا المكوِّن تحديدًا؟  واعتقادي أن هذا منطقي للغاية في ضوء السببين التاليين: إن أي صراع أرضٍ يقوم بين طرفين متنازعين، يدّعي كل منهما أنه يمتلك قضية عادلة، والقضية التي يتبناها هذا الطرف أو ذاك هي في أصلها بناء ثقافي من تاريخ وفكر وهوية. وهذا البناء الثقافي هو الشرعية التي تستند إليها أفعال هذا الطرف أو ذاك، وإن ضعف هذا البناء اهتزت أح...

التحرش بين تجريم الجاني والتبرير المجتمعي.. من يقف مع الضحية؟

صورة
  "الملابس ليست مبررًا للتحرش ولكنها سبب.."  إن هذه من أكثر الجُمل استخدامًا مؤخرًا.  ففي النهاية هم يبغون لها حِفظًا وليس تقييدًا!! وتوازن الجملة من الجهة الأخرى، وبشكل ظاهري، برفضها للتحرش وأنه لا مبرر له.. كلما فرضتْ ظاهرة التحرش نفسها على الرأي العام بفعل حادثة أو أخرى لفتتْ انتباه الإعلام -ولسبب ما دون المئات غيرها التي تقع بشكل يومي- اشتد الصراع بين من يدين المُتحرِش بشكل كامل، وبين من يجاهد كي يُلبِس الضحية بعضًا من ثوب المسؤولية في الإعتداء عليها. ويهتم الصنف الثاني بألا "يبرّر" صراحة التحرش، غير مهتم بما يحمل خطابه من تبرير مبطَّن ودلالات تقول بتجريم الضحية.  وتستخدم جملة: "الملابس ليست مبررا للتحرش ولكنها سبب.." كالشعار المُتّزِن المُتقَن التركيب، يحمل في طيّاته تبريرًا غير مباشر؛ كيما يُستخدَم لفرض شكل معين -ومرغوب من قِبَل قوى تراتبية اجتماعية معينة- من الملابس على المرأة. ففي النهاية هم يبغون لها حِفظًا وليس تقييدًا!! وتوازن الجملة من الجهة الأخرى، وبشكل ظاهري، برفضها للتحرش وأنه لا مبرر له.. لتفنيد هذه الحجة -وإن لم ترقى إلى مصاف الحُجج حقًا...

خواطر قلقة!

صورة
إذا هي قصتي فقط لأنني أنا. لكن كوني أنا لا يعني شيئًا للقصة. إنها قصة.. قصتي أنا بالتحديد. لا أعرف من أين ابدأ، وإلى أين سيمضي بي السرد. لا يهم. المهم أنها قصتي. كعادة شخصيات القصة، أنا مجرد أداة تُروَى بها الحكاية. قد يبدو لقارئها للوهلة الأولى أنني المتحكم؛ كوني البطل والراوي. لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا من ذلك. أولا: أنا لست بطلًا، ولا أطلب البطولة، ولا حتى بمعناها الأدبي كواجهة عمل روائي أقع منه في المركز.  أوقات كثيرة أشعر أن إدراكي لذاتي هو مصدر القلق والمشاكل. يا تُرى كيف كان سيصير حالي إن خُلِقتُ ورقة على شجرة وارفة؟ أو حصاة في بطن نهر يضج بالحياة؟ كيف كان لهذا التهميش أن يجعل من قصتي أكثر جمالًا؟ فأحيانًا الجمال هو ألا تدرك أنك كائن. والجمال هو ألا تضطر أن تنظر في مرآتك يوميًا. والجمال هو العبور السريع والصامت.. بقلب صامت.. بعقل صامت... صمتٌ يتصف بالكمال.. ثانيا: أنا لستُ كتلك الشخصيات المتمردة التي تفسد على الرواة حكاياهم. كل ما بي من تمرد قد اُستنفِد على وجودي ذاته. تمردتُ على وجودي حتى عاقبني عقلي، وعاقبني قلبي، ومن قبلهما عاقبتني القصة نفسها!  روّعتني القصة حين شعرت...