سِفر الظلال
في البدء، وقبل كل شيء،
كان الظلام،
وخُلِقتُ أنا ظلًا.
و كظلٍ،
ذوبتُ في الغسق.
وفي البحر الأسود،
تهادى وجودي العذري،
في سلامٍ،
مستقرًا على القاع.
ثم حدثتْ الأشياء،
وانبثق من العتمة نورٌ،
وبقيت أنا،
على حالي،
ظلًا.
لكن ما تغير حينها،
وللمرّة الأولى،
أنني ميزتُ وجودي.
وتلك كانتْ الخطيئة الأولى.
عدنٌ كانت الظلام،
وكنت أنا ظلُّ آدم.
وعندما هوى إلى الأرض،
تكشّفتْ لي سوءتي:
أدركتُ،
للمرة الأولى،
أنني، أنا.
ارتجفتُ.
طفقتُ اتدثر باللّيل،
وحاولتُ،
عبثًا،
أن ابتلع النجم.
لكن وعيًا لم ينحسر،
وقلبًا لم يهدأ.
صرختُ: لماذا؟!
لَمْ أشعر بقلبي يرتج،
أو سمعته يبكي، قبلًا،
فلِمَ الآن؟
ولمْ يجف حلقي،
ولمْ يتدافع اللُهاث،
حارقًا،
في صدري، قبلًا،
فلمَ الآن؟
والآن:
صرتُ أسمع وأرى،
صرتُ أتحدث وأتحسس،
صرتُ مرئيًا.
وقعتُ في الخطيئة،
ولمْ أرتكبها.
لقد فعلها آدم،
فما ذنبي؟!
وأنا؟
أنا لمْ أشتكي،
ولمْ أنشد معرفةً مُحرَّمةً،
ولمْ أقرب ثمرة الخلود.
كل ما أردته: أن أكون،
في سلام.
دون تعقيد،
أو تكليف.
ألّا تُعرَف حدود جسدي،
والأهم،
ألّا أعرفها أنا.
قال: أنت ظلُّ آدم.
وقال: تتبعه كظله،
في حركته، وفي مصيره.
وقال مادحًا:
أنت آدم إذا ما غسله نور.
وقال معزّيًا: وجودك مؤقت،
كوجود آدم،
وينتهي معه؛
لأنك ظلامٌ،
وإلى ظلامٍ تعود.
ثم قال معاتبًا:
ألا يكفيك أن صرت عقلًا؟
صرت أنتَ، أنتَ.
ألا تفرح بما آتاك؟
وتحزن، فقط، على ما فاتك؟
قلتُ: أنا ظلُّ آدم.
وقلتُ: أتبعهُ كظله،
في حركته، وفي مصيره.
فأنا، كأي ظلٍّ،
أحاكي..
ولكن،
قلتُ،
وعيناي ترجفان:
كظلٍ، لا تترك خُطاي أثرًا.
وكظلٍ، انكسرُ بلا صرير،
أو قرقعة.
وكظلٍ، تدهسني أرجلُ المارة،
تملؤني كدماتٌ ورضوضٌ
شَبحيّةٌ،
غارقةٌ في جسدي المعتم،
ولا أملكُ أتذمر.
وكظلٍ، كُتِبَ علي،
ألا تتحسسني الأصابع،
وألا تُطيَّب جروحي.
فلماذا خرجتُ من الظلام؟
سكتَ،
وكان سكوته عاصفة.
ازدردتُ ريقي.
أحنيتُ رأسي.
خرج صوتي،
هاربًا،
يصطكُ بين أسناني:
أمركَ نافذٌ.
لكن أجعل لي شيئًا.
شيئًا ينسيني سكينة الظلام.
امتد الصمتُ..
استشرى..
شعرتُ به يُطبق على صدري.
هذه المرة،
لم أستطع أن ازدردَ ريقي،
وكدتُ أختنق.
حينها نطقتْ الرحمة،
فقالتْ:
بين جنبيكَ،
نطفةٌ من عدم،
تستدعيها،
أو تُطبقُ عليك.
علّتُها النوم،
وجوهرها،
دَعَةُ الظلام..
سألتُ، أخيرًا:
وما الغاية إذًا؟
ولم يُجب أيُّ صوت..
وهنالك نُسيت..
سأمضي أسألُ.
الحيرة قدري،
والدهشة أنا..
وكظلٍ لن أعترض.
حتى يتحقق الوعد،
وأنتهي.
ففي النهاية؛
أنا ظلامٌ،
وإلى ظلامٍ أعود.
تعليقات
إرسال تعليق